الصحفي (والصحفية) ابن المهنة مثل الابن البار لأبويه، يوالي مهنته مثلما يوالي والديه.. يحبها كما يحبهما، ويحرص على إطاعة قواعدها والتقيّد بأخلاقياتها مثلما يطيعهما. والصحفي الذي يخلّ بهذا يكون حكمه حكم الابن العاق الذي يستحق النبذ.
والصحفي ابن المهنة يكرّس نفسه للتقيّد بالمبادئ التي يبشّر بها ويدعو إليها، ويذود عنها حتى لو تعارضت مع مصالحه الشخصية… يقول الحق ولا يسكت على الباطل حتى لو كانت مصلحته في الباطل.
هذا اليوم من المفترض أن يتوجه آلاف الصحفيات والصحفيين العراقيين لانتخاب هيئات قيادية جديدة لنقابة الصحفيين، فعدد أعضاء النقابة كما تفيد المعلومات يُقدر بنحو أربعة عشر ألفاً، لم يحضر ثلثاهم السبت الماضي فتأجل الانتخاب إلى اليوم بمن حضر.
يقال إن منافسة حامية ستدور اليوم في مقر نقابة المحامين في بغداد على المناصب القيادية.. ويقال أيضا انه لن تكون هناك أي منافسة حقيقية، ذلك أن الأمور محسومة سلفاً لصالح أشخاص مدعومين من الحكومة لأنهم إمّعات وتابعين وانتهازيين ووصوليين، والحكومة تفضّل هذا النوع على النوع الآخر الذي هو ابن المهنة البار بمهنته وقواعدها وأصولها وأخلاقياتها كالابن البار بوالديه.
وأياً كان الأمر فان المعارضين والمعترضين الذين يرون أن النقابة العريقة التي اختطفها النظام السابق وسخّرها لمصالحه ولم تعد بعد لأهلها، لم يتنبهوا مبكراً إلى أن ما سيجري اليوم باطل وغير شرعي، كيما يلجأوا إلى القضاء لإبطال إجراء الانتخابات.
هذه الانتخابات تُنظّم وفقا لقانون أصدره النظام السابق، ومن المفترض أن يتعامل الحكم الجديد مع قوانين ذلك النظام باعتبارها باطلة، خصوصاً وان قانون النقابة ينص صراحة على أن النقابة تسند ما يحقق أهداف حزب البعث (المادة 3 البند 2).
والأهم ان هذا القانون نفسه ينص على إجراء الانتخابات “في النصف الأول من شهر كانون الثاني”(المادة 12 البند 1)، ونحن الآن في أواخر النصف الثاني من شهر آب (الفرق أكثر من سبعة أشهر).
على القدر نفسه من الأهمية، فان القانون يقضي بالآتي: “عند عدم دعوة الهيئة العامة من قبل النقيب او المجلس (مجلس النقابة) للاجتماع العام في التاريخ المحدد في الفقرة السالفة فتجتمع الهيئة العامة تلقائياً في اليوم الخامس عشر من شهر كانون الثاني في مقر النقابة لممارسة صلاحياتها وانتخاب مجلس النقابة وفق الفقرة السالفة”.
والسؤال الآن: من الذي قرر ألا تجري الانتخابات في الموعد القانوني؟ هل أعيد صدام حسين إلى الحياة ليُعدّل في القانون قبل أن يُعاد إلى قبره؟ هل ثمة هيئة شرعية عليا في الدولة الحالية (مجلس النواب، الحكومة، رئيس الجمهورية) اتخذت هكذا قرار؟ إذا كان الأمر كذلك فلِمَ لم يُعلن القرار على الرأي العام والهيئة العامة للنقابة؟
الأكثر أهمية من كل هذا انه بموجب القانون الذي تجري وفقا له انتخابات اليوم يكون نقيب الصحفيين ونائباه وأعضاء مجلس النقابة ولجنتي الانضباط والمراقبة قد انتهت شرعيتهم جميعاً بحلول 15 كانون الثاني الماضي، وبالتالي فان كل ما فعلوه منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، بما فيه تنظيم انتخابات اليوم، هو باطل… أترونني على خطأ؟