الأحد، 4 يونيو 2017

(ردع كوردستان بالقوة هو المستحيل بعينه) فوزي الاتروشي كاتب سياسي


لا مستحيل في السياسة فهي وفق المقولة الكلاسيكية فن الممكن ، ولكن ثمة امور تقترب من الاستحالة الى حد التماهي فدون تحقيقها لحسن الحظ موانع و مصدات بحجم الجبال .
فالسياسي الذي يلغي الحوار ، و يرمي السهام دون تروي في كل الاتجاهات ، ويستنفر العضلات و ينفخها لردع كوردستان بالمدافع ، اما انه لم يقرأ التاريخ او انه قرأه ولم يفهمه ، او فهمه لكنه يتنكر له ليصبح كناطح صخرة .
ان فصول المقاومة الكوردية عبر التاريخ ، و يوميات ثورات الشعب الكوردي وثقت تجربة انسانية غنية بالعبر الى ابعد الحدود ، واهم هذه العبر ان انتصاراته مستديمة و انكساراته في اسوأ الاحوال مؤقتة وسرعان ما ينهض بسرعة قياسية للمواصلة وقلب المعادلة على رأس الخصم .
لم يكن السيد نوري المالكي بحاجة الى لغة نارية للتعامل مع شعب كوردستان والغاء حقه الدستوري في تقرير المصير ، ولم يكن بحاجة لاقحام حزبه وائتلافه في حرج سياسي و مأزق كبير سيكلفهما الكثير للخروج منه ، وهكذا تصريحات ستدخل التاريخ ضمن ملف اسوأ ما قيل بحق شعب كوردستان الامن المسالم الذي يحصد اعجاب العالم مقابل تعامي عدد من شركاء الداخل ومحاولة العودة الى السلوك القومي الضيق الافق الذي جربه الكثير من القادة العسكريين و السياسيين منذ بداية تأسيس الدولة العراقية ولغاية الان وذهبت كلها ادراج الرياح وبقيت جبال كوردستان باسقة و مدنها اعادت الاعمار ، فهذه السليمانية بؤرة ثقافية تبهر الانظار على مستوى العراق ، واربيل المركز السياسي العامر ، ودهوك التي سميت جنة العراق لانها لم تشهد اية عملية ارهابية منذ 2003 ولغاية اليوم .
فهل تستحق هذه المدن وسكانها ان يعاملوا بالقوة ؟ الم يكن الاجدر بمطلقي المناطيد الهوائية ان يستنسخوا ولو جزءا من جمال هذه المدن في مدن الوسط والجنوب ام ان مغنية الحي لا تطرب .
سبق لعبد السلام عارف عام 1963 ان استنجد بما كان يسمى الجيش العربي السوري لضرب كوردستان وواصل الحكم السابق بتواطؤ عربي واحيانا دولي ووفق خطة مبرمجة لالغاء الحدود والوجود و كل اثر لشعب كوردستان ، وبعد نكسة اذار 1975 صرح احمد حسن البكر ان " القضية الكوردية انتهت والى الابد" وبعد ذلك شن النظام ابشع حملة عنصرية لم توفر الحجر ولا البشر و لا الزرع ولا الضرع ولا الماء او الحيوان او النبات وكانت عناوينها السيئة الصيت حلبجة و السلاح الكيمياوي و الانفال و التهجير و التعريب والتبعيث . وهي نفس السياسة التي استخدمها طالب هلال محافظ الحسكة في ستينات القرن الماضي فماذا كانت النتيجة ؟ لقد سقط المجرمون في مزبلة التاريخ وبقي شعب كوردستان جميلا راسخا على ارضه و متصالحا مع نفسه ومع الاخرين ومسامحا حتى مع اعدائه انطلاقا من فضيلة العفو عند المقدرة.
وبقي السيد مسعود البارزاني رئيس الاقليم فاتحا ابواب كوردستان لكل العراقيين ولكل النازحين الهاربين من الارهاب و من سوء الاحوال في مدن العراق التي تفتقر الى ادنى خدمات العيش الكريم . فهل القوة هي لغة التعامل مع ارض تضم كل هؤلاء ؟ اليس هذا هو الجنون بكل معنى الكلمة ؟ السنا بحاجة الى قوة المنطق بدلا من منطق القوة.
ويعلم السيد المالكي ومن معه من حزبه من الصقور ان حمائم كوردستان قادرة على دحر كل حقد و بغض وحسد من يتجرأ هدم اعشاشها الامنة ، فالعالم معهم وليس مع لغة تهديد متآكلة اكل الدهر عليها وشرب حتى غدت اسطوانة مشروخة لا يستمع اليها احد .
ولو كان الطيف السياسي الحاكم وعلى رأسه حزب السيد المالكي او بالاحرى جناح الصقور منه له ولو جزء من فهم الحقائق على على الارض لاكتسب من تجربة الرئيس العراقي السابق السيد جلال الطالباني الغنية في الحكم والرئيس الحالي د.فؤاد معصوم ايضا ، وهي تجربة تلتزم الحوار و تترك والى الابد التصريحات الطنانة و الرنانة و اللغة الجارحة وتجعل الثقافة والغزارة المعرفية جزءا لا يتجزا من فن الحكم بعد ان كان العراق يحكم على عقود بلغة الاستبداد السياسي واستعراض العضلات والقنابل الصوتية .
ولكن لا حياة لمن تنادي ويبدو انه في منطقة الشرق البائسة فأن عدوى الدكتاتورية هي القابلة للانتقال جيلا بعد جيل و ليس عدوى الديمقراطية والسلام.
يبقى ان نردد مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش مقطعا من قصيدته الشهيرة ( كوردستان) التي كتبها عام 1965 مرددا :
لن تبصري يا عروبة
ان كنت من ثقب المدافع تنظرين

والان بقي ان نقول ونحن في العام 2017 ان لغة المدافع هي لغة الفها شعب كوردستان ، ويحفظ عن ظهر قلب ابجديتها ، ويحسن التعامل معها والافضل للجميع ان لا نحتكم اليها .

2017/6/3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق