الاثنين، 8 أبريل 2013

العمارة . . . المدينة التي تسير في طريق التطور والازدهار


بقلم  الدكتور رؤوف الانصاري 
مدينة العمارة هي مركز محافظة ميسان، وتقع على نهردجلة وإلى الجنوب من مدينة بغداد بحوالي 390 كلم وبالقرب من الحدود الإيرانية .أما ميسان فهي مدينة سومرية تضم أرضها مراقد مقدسة لأنبياء وأولياء صالحين كمرقد(النبي عُزَير ع) وهو مقدس لدى المسلمين واليهود ، وكذلك ضريح الشريف عبيد الله بنالإمام علي بن أبي طالب (ع) وغيرها .
وميسان دويلة نشأت في جنوبي أرض بابل تحت حمايةالسلوقيين (311 – 247ق. م) عندما ضعف شأنهم في الفترة الواقعة بين عامي (223 –187ق. م) استقلت ثم تدرجت في سُلّم القوة وأصبحت دويلة مهمة . حكمها ثلاثة وعشرونملكاً ما يقارب ثلاثة قرون ونصف وبالتحديد ما بين عامي (129ق. م – 225م) . وقدلعبت دوراً بارزاً في الأحداث السياسية والاقتصادية في وادي الرافدين خلال الفترةمن منتصف القرن الثاني قبل الميلاد إلى الربع الأول من القرن الثالث للميلاد .
وميسان في الآرامية تعني مياه المستنقعات (مي آسن) ،تمّ فتح هذه المنطقة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد القائد الإسلامي (عتبةبن غزوان) وكانت حدودها في حينها تمتد بين واسط (الكوت) والبصرة ، وهي كثيرة القرىوالنخيل وكان يضرب بها المثل لخصوبة تربتها ووفرة مياهها .
وأما العمارة فإن كانت عُمارة ـ بضم العين ـ والمقصودبذلك (عُمارة بن الحمزة) الذي عينه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (136 –158هـ) على كور دجلة الذي يشمل ميسان ودستميان وأبرقباذ وضمت له ولاية البصرة وماتبعها وحدود كوردجلة تنتهي بحدود واسط المقابلة لكسكر .
وإن كانت عَمارة ـ بفتح العين ـ ومعناها التجمعالعشائري . وإن كانت عِمارة ـ بكسر العين ـ ومعناها تسمية جديدة لبناء جديد ويضافإليها (أل التعريف) لتثبيت المعنى وتحديده . وربما أخذت مدينة العمارة اسمها هذامن قرية أخرى كانت تعرف بهذا الاسم في تلك الأطراف فأصابها الخراب أو انتقلت إلىهذا الموضع فإن الطاعنين في السن يتناولون هذه الأقصوصة خلفاً عن سلف .
نستنتج من هذه الآراء المذكورة أن أصل الاسم قد وردبسبب إقامة عمارة أو تعمير المكان بالبناء ودور السكن فصارت المنطقة معمورة نتيجةذلك .
وقد ذكرت العمارة في مصنفين لأديبين قبل ما يقارب منأربعة قرون . وذكر اسم العمارة ونهر العمارة وكوت العمارة في عدة مؤلفات قديمة لاتقل عن الخمسة عشر بين مخطوط ومطبوع فيها العربي والتركي والفارسي والإيطاليوالإنكليزي والفرنسي .
وورد اسم العمارة أيضاً في الرحلات ، وأقدم من وصلهاسباستياني في عام 1656م وفي رحلته يتحدث عن العمارة والمنصورية والمجر وقصر وربماكانت جزراً مسكونة حيث يتلاشى نهر دجلة في الرحلة الثانية يتحدث عن العمارة كقريةتبعد عن بغداد ثلاثة أيام وفيها انكشاريون أنزلوه في دار الكمرك كان ذلك عام 1658م.
والعمارة أيضاً من أعمال الـوالي العثماني محمد نـامقبـاشـا 1278 – 1284هـ (1861هـ – 1867هـ) الذي أنشأ معسكراً على نهر دجلة أحيطت بهالمساكن فأصبح المعسكر مدينة كبيرة يقال لها (العمارة) وشيّد فيها سوقاً أطلق عليهاسم « الباشا » نسبة إلى القائمقام العسكري (محمد باشا الديار بكرلي) وفي سنة1278هـ (1861م) أصبحت العمارة مركز قضاء تابع لولاية البصرة وتم تعيين (عبد القادرالكولمندي) قائمقاماً للعمارة من قبل السلطات العثمانية والذي أنشأ محلة(القادرية) وشيّد فيها المسجد الكبير والمنارة الموجودة فيه .
وعلى الرغم من أن مدينة العمارة حديثة النشأة وتقسمهامحلات منفصلة ذات شوارع عريضة ومستقيمة ويوجد فيها كورنيش واسع ، وتتوزع على نهردجلة الجميل عدد من الجسور القديمة والحديثة، إلا إنه لم تمتد لها يد العمران منذعقود طويلة حالها حال بقية المدن العراقية الأخرى ، الا في السنوات الاخيرة بعد انشيدت فيها العديد من المشاريع العمرانية والخدمية على يد محافظها الدؤوب في عملهوالمتواضع السيد علي دوّاي الذي يتسابق مع الزمن لكي تلحق هذه المدينة بركبالمدنية والتطور والازدهار ، وقد أشادت بانجازاته العديد من المنتديات والصحفوالمواقع الالكترونية .
ومن الظواهر الجميلة والمألوفة التي كانت تشتهر بهامحافظة ميسان ، هي الدواليب المتحركة بمجرى نهر دجلة التي تسمى النواعير ( جمعناعور ) لسحب المياه من النهر لغرض سقي المزارع ، ولكن بتوفر المكائن الكهربائيةلسحب المياه أستغني عن النواعير في السنوات الاخيرة ، وبذلك فقدت هذه المحافظة أحدمعالمها التراثية الجميلة والمميزة .
نأمل من السيد علي دوّاي محافظ ميسان أن يعيد البعض منهذه النواعير على نهر دجلة ولا سيما في منطقة الكورنيش بالقرب من المطاعم السياحيةالمقترحة لسقي حدائق الكورنيش  ولتضفي علىهذه المنطقة رونقاً وجمالاً .
تتألف محافظة ميسان من خمسة أقضية بالاضافة الى قضاءالعمارة وهي : علي الغربي ، الميمونة ، المجر ، قلعة صالح ، الكحلاء ، بالاضافةالى تسعة نواحي هي :  علي الشرقي ، كميت ،المشرح ، السلام ، الخير ، العدل ، بني هاشم ، العزير ، والسيد احمد الرفاعي .
أما أهم المعام الدينية والتراثية والسياحية في محافظةميسان هي :
مرقد النبي العزير:
النبي عزير أو (عزرا) عليه السلام ابن شرحيا من ذرية هارون بن عمران .
يقع مرقده في أرض ميسان جنوبي العراق عند منعطف نهردجلة بالقرب من نهر سمرة في المدينة التي تسمى باسمه (ناحية العزير) والتي تبعد عنمدينة العمارة بحوالي 70 كلم .
ويعتبر هذا المرقد من المراقد المقدسة لدى المسلمينواليهود الذين أبدو اهتماماً كبيراً بهذا المرقد، ويعلو المرقد قبة مدببة الشكل كُسيتمن الخارج بالبلاط القاشاني باللون الأزرق .
الكميت ... شاعر أهل البيت (ع)
إنه الكميت بن زيد بن الأخنس بن مجالد بن ربيعة بن قيس بن الحارث الأسديالشاعر الفذ ، الذي وقف في طليعة الشعراء المعارضين للحكم الأموي الجائر ،والتزامه بخط أهل البيت (ع) إنه من عشيرة بني أسد ، ولد بالكوفة عام 60هـ . يقعقبره في بلدة الكميت التي سُميت باسمه في محافظة ميسان جنوب شرقي العمارة ، ولايوجد هناك مرقد له ، إنما توجد مجموعة من الأحجار وضعت فوق موضع القبر في أرضمكشوفة الى سنوات قريبة .
والقبر بحاجة إلى بناء يليق ومكانة هذا الشاعر العظيمالتي كانت معظم أشعاره في مدح أهل بيت النبوة (ع) .
وقدأعجب الشاعر الشهير الفرزدق بالكميت عندما أنشده قصيدته في مدح بني هاشم ،  « روى أبو الفرج في الأغاني بإسناده عن  محمد بن علي النوفلي ، قال : سمعت أبي يقول :لما قال الكميت بن زيد الشعر ، كان أول ما قال « الهاشميات » فسترها ، ثم أتىالفرزدق بن غالب ، فقال له : يا أبا فراس انك شيخ مضر وشاعرها ، وأنا ابن أخيكالكميت بن زيد الأسدي ، فقال له : صدقت أنت ابن أخي ، فما حاجتك ؟  قال : نفث على لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضهعليك ، فان كان حسناً أمرتني بإذاعته ، وان كان قبيحاً أمرتني بستره ، وكنت أولىمن ستره عليّ . فقال له الفرزدق : أما عقلك فحسن ، وإني لأرجو أن يكون شعرك علىقدر عقلك ،  فأنشدني ما قلتَ ، فانشده : ــ                  طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُــ
فقال لي : فيم تطرب يا ابن أخي ؟  فقال : ــ      ولالـعِـباً مني وذو الـشيب يلعبُ
فقال : بلى يا ابن أخي فالعب فانك في أوان اللعب . فقال(الكميت) : ــ
ولم يلهني دارٌولا رسمُ منزلِ . . . ولم يتطرَّبني بـنـانٌ مخضّبُ ــ
فقال: ما يطربك يا ابن أخي ؟  فقال : ــ
ولاالسانحات البارحات عشية . . . أمرَّ سليمُالقرن أم مرّ أعضبُ ــ
فقال : أجل لا تتطير . فقال : ــ
ولكن إلى أهلالفضائل والتّقى . . .   وخيرُ بني حوّاءوالخيرُ يطلبُ ــ
فقال: ومَن هؤلاء ويحك   ؟  فقال (الكميت) : ــ
إلى النفرالبيض الذين بحبُّهم . . . إلى الله فيما نـابني أتـقـرّبُ ــ
قال : أرحني ويحك من هؤلاء  ؟  قال(الكميت) : ــ
بني هاشم رهطُ النبي فـإنني
خفضتُ لهم منّي جناحي مودةً
وكـنتُ لهم من هؤلاء وهؤلا
وأُرمى وأًرمي بالعداوة أهلهـا
. . .
. . .
. . .
. . .
بهم ولهم أرضى مراراً وأغضبُ 
إلى كـنفٍ عطفاه أهلٌ ومرحبُ
محبـاً على أنـي أذم وأغضبُ
وإنّي لأوذى فـيـهـم وأؤنّـبُ
فقال لهالفرزدق : يا ابن أخي ، أذع ثم أذع ، فأنت والله أشعر مَن مَضى وأشعر مَن بقي » . ويقال أنها كانت من بداياته في الشعر، حتى اعتُرِفَله بأنه سيّد الشعراء .
مرقد علي الغربي :
يقع هذا المرقد قرب البلدة المسماة باسمه قضاء (علي الغربي) بمحاذاة نهردجلة في منطقة (الذهبيات) التي تبعد حوالي 3 كلم عن مركز القضاء .
ويعود المرقد إلى أبي الحسن علي الغراب الشهير بـ (علي الغرابي ) بن يحي بن علي بن علي بن محمد بن أحمد بن زيد بن علي (الشاعر الخطيبالمعروف بالحمّاني) بن محمد بن جعفر الشاعر بن محمّد بن زيد الشهيد بن علي زينالعابدين بن الإمام الحسين (ع) .
والسيد علي الغربي هو جد الأسرة الجليلة السادة آلالقزويني والغرابات في النجف والحلة في الفرات الأوسط . والمرقد عبارة عن بناءبسيط طوله 15 متراً وعرضه 12 متراً تعلوه قبة بارتفاع 14 متراً عن سطح أرضيةالمرقد ، ويحيط به صحن واسع أبعاده (40 × 40) متراً ، وقد ألحقت بالحرم قاعاتكبيرة للصلاة ومكان لراحة الزائرين .
مرقد علي الشرقي
يقع هذا المرقد في ناحية علي الشرقي المسماة باسمه ، ويعود إلى السيد عليالشرقي بن أحمد بن محمد بن داود بن موسى الثاني بن عبد الله الصالح بن موسى الجونبن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبيطالب (عليهم السلام) .
وتبلغ مساحة المشهد حوالي خمسة دوانم ، تحيط بالمرقدالأواوين والغرف المهيأة لراحة الزوار ، وفي وسط الصحن يوجد المرقد ، وهو بناءحديث تعلوه قبة كبيرة مغطاة بالبلاط القاشاني المزخرف . وتبلغ مساحة المرقد حواليألف متر مربع ، وفي داخله توجد قاعات للصلاة للرجال وأخرى للنساء ، والمرقد مزينمن الداخل بكتابات من الآيات القرآنية الكريمة .
ويقصد المرقد الزوار على مدار السنة للدعاء والتبركوإقامة الصلاة .
مرقد عبيد الله بن علي
هو عبيد الله بن الإمام علي بن أبي طالب (ع) – ابن النهشلية ، ويطلق عليه(ابن النهشلية) وهي ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بننهشل ، وأخوتها وعشيرتها ممّن سكنوا البصرة واستوطنوا فيها ، وقد تزوجها الإمامعلي بن أبي طالب (ع) وأنجبت له عبيد الله ومحمد الأصغر « أبو بكر » الذي استشهد معالإمام الحسين (ع) في معركة الطف بكربلاء .
يقع هذا المرقد في منطقة المذار على أحد فرعي نهر دجلةبين العزير وقلعة صالح . وهو بناء شامخ تعلوه قبة كسيت من الخارج بالبلاط القاشانيباللون الأزرق ويحتوي على حرم واسع جدد في السنوات الأخيرة .
مرقد السيد أحمد الرفاعي
يقع هذا المرقد بالقرب من المدينة المسماة باسمه وهي (مدينة الرفاعي) علىالطريق الذي يربط مدينة العمارة وقضاء الرفاعي ، وكذلك على الطريق الذي يربط بينمحافظتي الكوت والناصرية .
وصاحب المرقد هو أبو العباس أحمد بن علي ، المعروفبالشيخ الرفاعي ، كان من الرجال الصالحين، وشيخاً جليلاً وعالماً فقيهاً ، ويعودنسبه من جهة أبيه إلى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
ولد السيد أحمد الرفاعي عام 512هـ (1119م) في بلدةواسط ، وعاش في البطائح في قرية يقال لها أم عبيدة ، وقد انظمّ إليه الكثير منالفقراء والتلاميذ وتبعوه ونسبوا إليه ، فقيل لهم الرفاعية والبطائحية . توفي سنة578هـ .
وأول مَن قام بتجديد بناء قبة هذا المرقد ، هو ناصرباشا السعدون ، رئيس عشيرة المنتفق وذلك عام 1285هـ (1868م) ثم قام السلطانالعثماني عبد الحميد بالإنفاق على تعمير القبة والصحن وبناء مئذنة فيه لتحويله إلىجامع ومرقد في آن واحد ، وذلك عام 1307هـ (1890م) .
وقد تم ترميم هذا الجامع مرات عدة وفي مراحل زمنيةمختلفة . وفي سنة 1396هـ (1976م) تمّ تعمير المئذنة التي كانت قد أصابها التلفنتيجة العوامل الطبيعية ، وقد شمل التعمير أيضاً القبة والأروقة والضريح ، وكذلكتمّ تبليط أرضية المرقد بالرخام .
وآخر مرة تمّ تعمير المرقد كان عام 1400هـ (1980م)،وتمّ بناء فندق للزائرين بالقرب منه . 
أما اهم المعالم التراثية والسياحية في مدينة العمارةهي :
السوق الكبير أو ( سوق الباشا )
يعد هذا السوق أحد المعالم التراثية المميزة في مدينةالعمارة ، شيد في العهد العثماني عام 1870 م ، وقد تطور هذا السوق بمرور الزمنوتفرعت منه اسواق صغيرة متعددة الاغراض والبضائع المتنوعة ، وتوجد بعض القيسارياتالصغيرة في هذا السوق.
وتعتبر عمارة السوق الكبير تحفة فنية عمرانية ، شيد منالطابوق والجص ، وسقفه على شكل قوس ( طاق ) ، أما المحلات التي تتوزع على جانبيهفهي أشبه بمتاحف صغيرة تتوفر فيها العديد من منتوجات الصناعات والحرف اليدويةالمحلية .
ومن المناطق الترفيهية والسياحية في مدينة العمارة هي:
منطقة الكورنيش
تعد هذه المنطقة من المواقع السياحية الجذابة ومتنفساًلاهالي المدينة وسياحها وزوارها ، وتطل على نهر دجلة ، نأمل ان يتم تطويرهاواستثمارها سياحياً وأقامة بعض المشاريع والمرافق السياحية فيها ، كالنافوراتوالحدائق العامة والمطاعم المتنوعة والمقاهي الشعبية وملاعب الاطفال والمرافقالعامة ومرافئ تسيير الرحلات النهرية بالاضافة الى النواعير التي أشرنا اليهاأعلاه ..
النافورات الراقصة في حديقة السندباد
أقيمت في الفترة الاخيرة بمدينة العمارة مجموعة منالنافورات الجميلة وسط الحدائق وفي الساحات العامة ، ومن أجملها هي : النافوراتالراقصة في حديقة السندباد التي تتراقص مياهها على انغام الوسيقى والضوء .
د. المهندس المعماري / رؤوف محمد علي الانصاري
خبير ومتخصص في العمارة الاسلامية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق