الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

حوار الشاعرة و الإعلامية منى بعزاوي مع الأديب الدكتور الطيب الطويلي بين نقمة المهمشين و أقلام المبدعين




 الطيب الطويلي دكتور في علم الإجتماع و روائي تونسي عرف بقلمه النقدي الحر في مجالي الواقع و السياسة ينطق بصوت ثوري و بحروف نقدية تمس الذوات الإنسانية المهمشة التي طالها البؤس و طالها الزمن المرير ، من اصداراته رواية " نقمة المهمشين " إضافة إلى كونه شاعر بصدد إصدار ديوان شعري
أهلا و سهلا
   الطيب الطويلي دكتور و روائي تونسي . كيف تعرف نفسك لمن لا يعرفك ؟ *
دكتور في علم الاجتماع، لي عديد الأبحاث والدراسات في مواضيع اجتماعية راهنة، وأنا لا أكتفي ببلورة أفكاري بالأسلوب السوسيولوجي العلمي، وإنما جاوزت ذلك إلى الكتابة الأدبية حيث صدرت لي رواية "نقمة المهمشين" وهي باكورة أعمالي في ثلاثمائة وخمسين صفحة، ولي رواية أخرى تحت الطبع، أكتب الشعر أحيانا وأنشره على صفحاتي الخاصة على المواقع الاجتماعية. وأعتبر الكتابة السوسيولوجية واجبا علي أن أستمر في القيام بها، أما الكتابة الأدبية فأعتبرها لذة لا أستطيع أن أستغنى عنها .
 صدر لك رواية " نقمة المهمشين " و التي سلطت الضوء على قضايا إجتماعية و سياسية ,* فلو تحدثنا عن مضمونها و أبعادها ؟
بطل الرواية "العربي العارق" هو شاب عاطل عن العمل في الفترة التي سبقت الثورة بقليل. تسيره أحاسيس و مشاعر من الحنق والرغبة في الانتقام . هذه المشاعر تتنازعها الرغبة في التمرد المشوبة بجنوح إلى الاستسلام. وهي مشاعر متداخلة ومتناقضة جعلت من "العربي" بطل الرواية شخصية غريبة ومتناقضة، فهو مسلم يمارس شعائر دينه من ناحية، وهو زان وسكير وعربيد من ناحية أخرى. وقد دفعته حالة البطالة إلى نسق من الهلاوس
والأفكار الفلسفية التي أصبحت تسطر حياته وتمنح لها بعدا جديدا .
 هل مفهوم " النقمة " هو مفهوم سوسيولوجي من منطلق هذه الرواية ؟ و هل هناك علاقة* بين بطل الرواية و كاتبها ؟
رواية "نقمة المهمشين" تنتمي إلى صنف نادر من صنوف الكتابة، فهي عمل سوسيو- أدبي، يمزج بين السوسيولوجيا وعلميتها المجردة، وبين خيلاء الأدب وقيافته. فمن خلال تحصلي على الدكتوراه في علم الاجتماع عن موضوع التعليم والتشغيل، والمسبوقة بشهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع عن موضوع الشباب والبطالة أمضيت أكثر من عشر سنوات في الدرس العلمي الميداني الدقيق لهذه الظاهرة، وخبرت الشباب التونسي  معاناته وتمثلاته النفسية و الإجتماعية  . أما فيما يتعلق بالنقمة، فالنقمة لا تعتبر مصطلحا سوسيولوجيا، وإنما هو مصطلح بسيكولوجي بالأساس، وهو إحساس يشعر به الفرد حيال فرد أو نسق أو منظومة أخرى كنوع من رد الفعل على عنف جسدي أو معنوي أو رمزي يقوم به الآخر ضده. وفي حالة البطالة هنا يشعر كل فرد عاطل بهذا الشعور حيال النسق الاجتماعي والسياسي العام والذي يراه غالبا هو المسؤول الوحيد والأساسي عن بطالته. وبتفاقم البطالة في المجتمع التونسي قبيل الثورة كثرت حالات النقمة الفردية لتصبح ظاهرة اجتماعية، ساهمت
في مراكمة حالات الاحتقان التي فجرت بركان الثورة ولهذا فإن "العربي العارق" هو بمثابة اللوحة الزيتية التي يرسمها الفنان لمشهد طبيعي موجود حقيقة. حيث تكون للرسام بصمته وشخصيته، وتتلون اللوحة بطابعه الخاص. والعلاقة بيني وبين بطل الرواية هي علاقة فلسفية، باعتبار أني عشت حالة البطالة لسنوات عديدة كغيري من الشباب التونسي، هذا فضلا عن مئات العاطلين الذين استجوبتهم في خضم بحوثي السوسيولوجية. ولذا فإن في بطل الرواية نفس مني ومن كل شاب أو شابة تونسية قاسى ويلات البطالة أو مازال يقاس .
نجد في كتاباتك بعدا إنسانيا ينطلق من الذات نحو الآخر في مفهومه المطلق . فهل الذات هي* التي تحرك فكرك أم العكس ؟
 العمل الفني والإبداعي ينطلق أساسا من ذات المبدع، حيث يمكن أن تلمس انعكاسات لشخصيته ورؤاه الذاتية في عمله. هذا طبعا فيما يتعلق بالعمل الأدبي أما فيما يتعلق بالأعمال السوسيولوجية فيتوجب على الباحث أن يكون موضوعيا، حيث تكون الموضوعية هي المقياس الأول لأي عمل علمي وأكاديمي .
رواية " نقمة المهمشين " نقلت وقائع قبل الثورة و أخرى بعدها , فهل يمكن إعتبار هذه* الرواية رقصة فكرية بين الخيال و الواقع ؟
نصف الرواية تقريبا كتب قبل قيام الثورة، وهو جزء ينقل المعاناة النفسية للبطل العاطل، معاناة التبعية المادية، ومعاناة انسداد الأفق و عدم القدرة على الزواج والتي تؤثر بشكل كبير على العاطل الذي يتحول كبته الجنسي إلى كتلة من العقد. كل هذا التداخل والتشابك النفسي والاجتماعي تم نقله في النصف الأول من الرواية، أما النصف الثاني فقد طـُبع بمفاجأة قيام الثورة التونسية ووقعها الصادم والذي أثر بشكل انعكاسي على نهاية الرواية .
انطلقت في كتاباتك من واقع الوطن و لحظة الحاضر . فماذا يعني لك الوطن كمفهوم ؟*
 الوطن هو الشعور بالانتماء، ونحن في علاقتنا بالوطن نحس بالانتماء إلى أي شي وكل شيء.. إلى ثلاثة آلاف سنة من الحضارة، إلى ترابه المعطاء، إلى بحره الصافي، هو تاريخنا المجيد، وهو حاضرنا الذي نعيشه ونبنيه، وهو مستقبل عيالنا وخبزهم وأحلامهم. كلمة وطن هي التي تذكرنا بالواجب الذي يجب أن نقوم به حياله. وأنا في الحقيقة عند سماعي لكلمة وطن يمثل أمام ناظري مشهد رضيع ينام فوق صدر أمه.. صدر الأم هذا هو الوطن الذي أرضعنا وأشعرنا بالدفء وغمرنا بالحنان وهو سبب وجودنا وحضننا الذي لولاه ما كنا .
الطيب الطويلي شاعر بصدد إصدار ديوان شعري . فهل الشعر لحظة واقعية من عمق* المجتمع أم أنه لحظة خيالية من نتاج الفكر ؟
قالوا قديما إن أعذب الشعر أكذبه، وأنا أقول إن هذا صحيح، فالشعر هو لحظة الخيال التي يعيشها الأديب فيحاول أن يمنحها بعدا جماليا خارقا، حيث يحاول أن يغلف أفكاره الخيالية بغلاف لغوي موغل بالجمالية، حيث ترفل فكرته بعبق اللغة الجميلة وسحر الوزن.
اطلعت على بعض كتاباتك فوجدتك أسير واقعك بين الماضي و الحاضر . فهل يمكن إعتبار* هذا التقوقع فلسفة خاصة بك أم أنك تبحث عن التحرر الفكري كبديل لواقعك ؟
لحظة الكتابة هي لحظة مراوحة بين كل الأزمنة، حيث يكون الكاتب مثقلا بهموم واقعه ولحظته الراهنة، وممتلآ بآثار ماضيه ورواسبه، وتواقا نحو غد أجمل وأرقى.. فالكاتب نتاج لماض، وترجمة لحاضر، ومحاولة انعتاق نحو مستقبل .
قامت ثورة 14 جانفي و أنت مازلت تكتب روايتك . فماذا أضافت لك هذه الثورة ؟ و ما* رؤيتك للثورة اليوم من منظورك الخاص ؟
 فرضت الثورة نفسها على نهاية الرواية، حيث يمثل مشهد النهاية المشهد المهيب ليوم 14 جانفي أمام وزارة الداخلية بعنفوانه وآماله ومشاعر الفخر التي تشوبه. وأنا أرى أن الثورة التونسية سوف تظل تلهم الكتاب والشعراء لفترة طويلة. فهي ثورة ستطبع أجيالا من الأدباء، كما أنها ستطبع أجيالا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فمستقبلنا لن يكون مثل الذي كان قبل الثورة. ونحن لازلنا الآن في حالة ما يسمى في علم الاجتماع بالحمى الثورية، حيث يمكن لأي حدث أو جزئية أن يغير الكثير في الواقع الاجتماعي والسياسي التونسي إما سلبا أو إيجابا. وعلينا أن نكون إيجابيين في تعاملنا مع الظواهر الجديدة التي تملأ مجتمعنا، لأن الإيجابية في التعامل تقودنا إلى نتائج إيجابية في النهاية، أما التعامل السلبي فقد يؤدينا إلى كوارث لا قدّر الله .
 أما حالة الفوضى التي نعيشها الآن فهي حالة عادية بعد ثورة، صحيح أن المواطن العادي قد ضاق ذرعا بكل الظواهر الاجتماعية السلبية التي ملأت البلاد بعد الثورة ، ولكن حالة الفوضى هذه هي في الحقيقة حالة طبيعية بعد ثورة كان هدفها الأساسي تغيير الواقع السياسي والاجتماعي التونسي. وكل ما نتمناه أن لا تطول حالة الحمى الثورية أولا، وثانيا أن نكون دائما إيجابيين في تعاملنا مع كل ما يجد من أحداث. لأن هذه الفترة هي قترة مفصلية في التاريخ التونسي، وهي التي تحدد مستقبل وطننا ومستقبل أبنائنا .
لو سألتك عن واقع الثقافة في تونس اليوم . ماذا تقول ؟ *
أقول ما قال القدامى: لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر. وأنا أرثي لحال الثقافة والمثقفين في تونس. فنحن في تونس لدينا أفضل الكفاءات على المستوى العربي، وطالما كان لنا من الأدباء والشعراء والفنانين العدد الكبير من القادرين على الإبداع وبمستوى أكثر من جيد. ولكن لم تستطع تونس أن تخرج إ نجوما على المستوى العالمي أو حتى العربي. وعلى مر أكثر من مائة عام لم تصدّر تونس إلى الخارج سوى أبا القاسم الشابي أو محمود المسعدي. وهما أديبان فضلا عن عبقريتهما اللغوية عرفا طريق النجومية عبر بوابة الاعتراف المشرقي. فتونس كانت ولا تزال في حقيقة الأمر مقبرة للفنانين، ولا يستطيع المبدع التونسي مهما كان حجمه أن يحلم بمسيرة مشرقة إذا لم يجد له مسارب مشرقية أو مغربية يمكن عبرها أن يكوّن اسما و أن يكون مقروءا إذا كان كاتبا أو مسموعا إذا كان مطربا .
   لكل كاتب ايديولوجيا خاصة . فما هي ايديولوجيتك في الكتابة ؟*
و هل تطمح لمسار فكري خاص ؟
 إيديولوجيتي هي حب هذا الوطن. ومن خلال هذا الحب أعري كل ما أراه سلبيا أو ضارا به. أما فيما يتعلق بمساري الفكري الخاص، فمسيرتي ابتدأت شديدة الخصوصية بطبعها، باعتباري كما أسلفت أجمع في شخصيتي الأدبية بين المبدع الصرف، وبين الأكاديمي العلمي، وهذه الثنائية قلما تجتمع في قلم، ياعتبار أن الأكاديميين غالبا لا يوجدون لنفسهم هامشا من الخيال وإنما هم في العادة موغلون في الواقعية ملتصقون بالمادية هذا أولا، أما ثانيا فإن الأكاديميين مكبلون لغويا بصرامة المصطلحات العلمية ودقتها، وهم مقيدون بمعجم لفظي ودلالي لا يمكنهم مجاوزته وقد اعتادوا ذلك، بعكس الفنان والمبدع الذي يسبح في معجم دلالي  .
   صوت الضمير ينطق بين أحرفك من واقع المهمش إلى واقع ضرير . فهل للكاتب رؤى* إجتماعية و ثقافية و سوسيولوجية بديلة أم أن صوت الواقع يفرض نفسه على القلم ؟
دور المثقف أن يطرح الأسئلة، أن يضع اصبعه على الداء، وأن يفتح مجالا للفكر ويقدم تصورات لمجتمع أفضل يراه في مخيلته ويطمح لتحقيقه، أن يتحدث عن واقع المهمش عن مآسيه، وأن يقدم للناس صورة فنية عن هذا الواقع أو ذاك. أما إيجاد البدائل الحقيقية و الحلحلة الفعلية للأزمات فتظل واجبا سياسيا يكون عادة المبدع في منأى عنه .
 وجهت في كتاباتك رسالة من الأعراف إلى الشغالين , فما المقصود بهذه الرسالة *
و ما أبعادها ؟
يقول نزار قباني إني الحروف تموت حين تقال، وأن أقول أن القصيد يموت حين يفسر، وجوابي على سؤالك سيكون بقراءتي للقصيدة نفسها :
تريد أن تأخذ حقا ؟
حقك لا يؤخذ إلا بإذني ...
تريد أن تأتي فعلا ؟
قبل أن تأتي ... يهمس الواشي بأذني
من أنت كي تحكي معي ...؟
رث...و ضيع ...نتن ...
هل كنت منسيا بفرن ؟
تكلم و أنت واقف
هذا كرسي ضيوفي ...أشبه عندي بحضني
هل جئت تبغي حاجة ؟
أجزل عطاياك و زدني
أعطني جرة زيت.... أو نبيذا
أو أعطني علبة جبن
و لتقدمها بذل
خافض الرأس بجبن
إنني الرب هنا
اقطع الرزق إذا ما شئت
دون حزن.....
فاحذر إذا قابلتني أن أغضب
و تكمل العمر بسجن
*نقمة المهمشين " مرآة عاكسة لواقع الإنسان في المجتمع التونسي و العربي .
هل تنعكس هذه المرآة على ذاتك ؟ و هل يمكن إعتبارك من بين المهمشين فكريا في تونس ؟
 لست وحدي المهمش فكريا في تونس، كلنا في الهم شرق، وكلنا في التهميش تونسيون، ومن من الكتاب الشبان ترينه لاقى النجاح الذي يستحقه؟؟ فأحيانا تقرأ نصا تونسيا بديعا ذا مواصفات عالمية، ثم تأتي على الاسم لتجده مغمورا، هذا هو واقع الثقافة في تونس، ويجب علينا إما أن نقبل به أو نغيره. أو أن يرحل مثقفو تونس من أرضها علهم يجدون عينا تقرأ وأذنا تسمع .
  لكل كاتب قلم يكتب به للقارئ , فما هي رسالتك التي توجهها له ؟ *
 رسالتي لقارئ لا يقرأ؟ رسالتي هي "اقرأ".. أول أمر أمرك به الله.. طبقه أولا واقرأ ثم بعد ذلك نفذ أوامر الله الأخرى .
*بإعتبارك دكتورا في علم الإجتماع . كيف تحلل الواقع التونسي و العربي اليوم بعد الثورات ؟ و ما إنعكاساتها على الذات و على الشباب ؟
 واقعنا هش وضبابي، فنحن كما أسلفت نعيش في مرحلة الحمى الثورية، وهي أخطر المراحل حيث يمكن لعود ثقاب أن يشعل بلدا بأكمله، وهذا ما يفسر جنوح الشباب في اللحظة الراهنة إلى التزمت الفكري والإيديولوجي سواء على اليمين أو على اليسار. فالشاب التونسي الآن لا زال تحت سكرات ثورته التي قام بها، حيث أن قدرته على تغيير النظام العاتي جعلته يتصور أنه قادر على تغيير الكون، ولهذا فنحن نجد الشاب التونسي المحدود الثقافة ميالا إلى اعتناق أنساق فكرية أكبر من قدرته على الاستيعاب، وها نحن الآن نعاني من الآثار السلبية لراديكالية فكرية لشباب غير قادر على التفكير .
 الكاتب ليس له كلمة ختام بإعتباره امتداد فكري و ثقافي . ماذا ينتظر منك القراء قريبا ؟ *
و هل من إصدارات جديدة في المستقبل ؟
لدي رواية تحت الطبع عن السحر وتناقل الأرواح، ديوان شعري لا زلت أخط حروفه، ودراسة سوسيولوجية عن واقع التشغيل في تونس، وقد انتهيت فعليا من العمل الميداني، وأنا الآن بصدد القيام بالعمل الإحصائي والذي يضفي إلى الملاحظات السوسيولوجية التي تفرز نتائج البحث. لا يفوتني أن أذكر أن لدي مجموعة قصصية كذلك في انتظار النشر ودعيني أختم بقليل من الشعر قلته في وطن حنون كامرأة، وامرأة حنون كوطن .:
صفعة منك على خدي ولا .....   قبلة من ألف ثغر
خنجر منك في قلبي و لا .....  نومه في ألف صدر
وسرير لم يفح عطرك فيه... أشبه عندي بقبرْ
مع تحياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق